التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القبائل الّتي يُحتجّ بلغتها في أصول العربيّة



بقلم: الدكتور عبدالكريم اعقيلان


عناصر الموضوع:
- سبب تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها.
- تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها.
- تداخل عنصريّ الزّمان والمكان في الاحتجاج اللّغويّ.
- تحديد القبائل الّتي لم يُحتجّ بلغاتها.
المراجع:
- الفارابي : الألفاظ والحروف
- السيوطي : الاقتراح
- السيوطيّ: المزهر
- ابن جنّي: الخصائص
- محمّد عبده فلفل: اللّغة الشّعريّة عند النّحاة
- مصطفى الرّافعيّ: تاريخ آداب العرب
*****
أولاً: سبب تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها:
تدخل قضيّة القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها في أصول اللّغة من كونها المستند الّذي يعتمده اللّغويّون في تقعيد اللّغة، أو وضع القاعدة اللّغويّة، والكلام المُتداول هو المسرح الّذي استمدّ منه اللّغويّون شواهدهم اللّغويّة، وهو مساحةٌ كبيرة من شرائح المجتمع، الّذي تدور اللّغة في فلكه، وتنشأ في أحضانه.
وقد كان السّبب الرّئيس لتحديد هذه القبائل مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بخدمة القرآن الكريم، وهو الكتاب المبين الّذي نزل بلسان العرب ولغتهم، وقد ترتّب على هذا الأمر أن يحرص اللّغويّون على اختيار المستوى اللّغويّ العربيّ الاجتماعيّ الّذي يساعد على فهم لغة القرآن الكريم نظاماً نحويّاً وصرفيّاً ومعنًى بلاغيّاً وأسلوبيّاً.
ولذلك؛ حرص اللّغويّون عند وضع القاعدة اللّغويّة على انتقاء كلام العرب ذي المستوى اللّغويّ الفصيح، وقد كان على رأسه القرآن الكريم، فالحديث الشّريف، فالشّعر، فالأمثال السّائرة، ومعها لغة القبائل المعتمدة أو قد تتقدّم قليلاً، ومن هنا كان الحرص على تحديد قبائل بعينها، واستثناء أخرى، زيادةً في الحرص، واعتناءً بقدسيّة اللّغة التي يدرسونها ويستنبطون قواعدها.
وقد اعتمد اللّغويّون في انتقاء اللّغة- الّتي يبنون قاعدتهم عليها- ثلاثة أركان:
- المكان، وهو الحيّز الجغرافيّ الّذي تُقيم فيه، ويضمن لها أن تحافظ على تراكيبها ومفرداتها سليمةً من التداخل مع أيّ لغةٍ أخرى غير فصيحة، أو أعجميّة.
- الزّمان، وهو الفترة الّتي يظنّ اللّغويّون أنّ مستوى لغة هذه القبائل بقي محافظاً على فصاحته، ولم تشبْه أيّة تأثيرات دخيلة.
- الرّواية، وفق القاعدة المشهورة: " تُؤخذ اللّغة سماعاً من الرّواة الثّقات ذوي الصّدق والأمانة، ويُتّقى المظنون"، فقد كان اللّغويّون يجمعون اللّغة من رواةٍ حفظوا ما تكلّمت به العرب، شعراً أو مثلاً، أو تركيباً.


ثانياً: تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها:
يمكن القول بأنّ تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها يعتمد أساساً على عنصر المكان، وقد كان هذا العنصر محلّ خلافٍ، إذ أخذَ أبو عمرو بن العلاء على الأصوليّين منهجهم الذّي اعتمد ستّ قبائل في حين أهمل أكثر من ثلاثين قبيلة عربيّة.
وقد حُدِّدت القبائل الآتية مصدراً من مصادر تقعيد اللّغة، وهي:
1. قيس
2. تميم
3. أسد
وهذه القبائل الثّلاثة هي أكثر من أُخذت اللّغة عنهم في الغريب والإعراب والتّصريف.
4. هذيل
5. بعض طيء
6. بعض كنانة
وقد كان أساس اعتماد هذه القبائل السّتّ البعد عن الاحتكاك بالأمم الأعجميّة المجاورة لهم؛ ولذلك، اعتمدوا سكّان البادية البعيدون عن المدينة أو مناطق الاحتكاك مع الأمم الأخرى.
- ملاحظة على عنصر المكان:
لم تكن حدّة هذا التحديد تنطبق على لغة النّثر والشّعر على حدٍّ سواء، فقد كان اللّغويّون على موقفين:
الأوّل: الاستشهاد بشعر شعراء ليسوا من أبناء القبائل المعتمدة؛ ولذلك، يُلاحظُ أنّ شُعراء تغلب واليمن وسائر قبائل الأطراف قد تجاوزوا الحدود المكانيّة في الشّعر.
الثّاني: تردّد بعض النّحاة في قبول شعر من عاش في ظلّ المدينة ونظموا شعرهم بالتّعلّم لا بالسّليقة، مثل طعن الأصمعيّ على ابن الرقيّات.
- اختلاف الآراء في القبائل المعتمدة:
- عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما-: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العَجُز من هوازن :
1- عُليا هوازن .
2- سعد بن بكر .
3- جشم بن بكر .
4- نصر بن معاوية .
5- ثقيف .
- أبو عمرو بن العلاء :" أفصح العرب عُليا هوازن ، وسُفلى تميم " .
- ابن مسعود – رضي الله عنه - :" يُستحبّ أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر " .
- عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه - :" لا يُمْلَيَنّ في مصاحفِنا إلا غلمان قريش وثقيف " .
- عثمان – رضي الله عنه -:" اجعلوا المُمْلي من هذيل ، والكاتب من ثقيف " .
وهذه أقوال كلها تشير إلى القبائل التي يُلمح فيها الفصاحة والمستوى المناسب لفهم القرآن الكريم، وهذا واضحٌ من خلال وجود أسماء لكبار الصحابة رضوان الله عليهم، ومنهم من كان صاحب قرارٍ وسلطة.
ثالثاً: تداخل عنصريّ الزّمان والمكان في الاحتجاج اللّغويّ:
يظهر ممّا سبق أن مفهوم عنصر المكان لم يساهم في حلّ قضايا الاستشهاد وحده، فقد أشار ابن جنّي إلى وجود الفصاحة في كلام حضريّين متوافقاً مع بادِين، ولكن باختلاف الزّمان؛ فأدّى هذا إلى إيجاد عنصر الزّمان؛ ليكون هو الآخر مساهماً في تحديد الكلام الّذي يُستشهد به في اللّغة.
رابعاً: تحديد القبائل الّتي لم يُحتجّ بلغاتها.
ذكر أبو نصر الفارابيّ في كتابه (الحروف والألفاظ) القبائل الّتي لم يُحتجّ بها مع ذكر السّبب، وهي كما يأتي:



القبيلة
سبب الرّفض

لخم وجذام
مجاورة أهل مصر والقبط

قضاعة- غسّان- إياد
مجاورة أهل الشّام

تغلب
مجاورة اليونان

بكر
مخالطة الفرس

عبدالقيس- أزد عُمان
مخالطة الفرس والهند

أهل اليمن
مخالطة الهند والحبشة

بنو حنيفة- سكّان اليمامة
ثقيف- أهل الطّائف
مخالطة تجّار اليمن المقيمين في أرضهم

حاضرة الحجاز
مخالطتهم أمماً متنوّعة



· الخلاصة:
- تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها في أصول العربيّة انطلق أساساً لخدمة القرآن الكريم وضمان الحصول على المستوى اللّغويّ الّذي يساعد على فهم هذا الكتاب الكريم، وهو تحديد يهدف إلى انتقاء اللّغة العربيّة الّتي يُظنّ أنّها لم تختلط بلغاتٍ غيرِ عربيّةٍ؛ وبذلك فهي لغة تساعد على فهم لغة القرآن الكريم نظاماً ومعنًى.
- العلماء متفقون على ضرورة تحديد اللّغة الّتي تُستنبط منها القاعدة اللّغويّة، إلا أنّهم مختلفون في المنهجيّة والأسس المتّبعة.
- العناصر التاريخيّة الثّلاثة: الزمان والمكان والإنسان كانت الأركان الأساسيّة الّتي أحاطت تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها، وفق أهمّية كل ركن ودوره في تقديم المستند اللّغويّ المناسب لتأصيل القاعدة اللّغويّة.
- قريش، وإن لم أورد ذكرها في ثنايا التقرير، إلا أنّني لا أنسى أن أذكرها في الخلاصة، فهي على رأس القبائل العربيّة الّتي يُحتجّ بها ويُعتمد عليها في معظم اللّغة إعراباً وتصريفاً؛ فقد كانت قريش تنتقي لغتها من خلال أسواق العرب الّتي تقيمها وما يجري فيها من معارض أدبيّة ينشر من خلالها أبناء القبائل أجود نتاجهم الأدبيّ وأرقاه.


*****
تمّ بحمد الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نبذة مختصرة في علم البيان

بقلم  الدّكتور/ ضياء الدّين الحموز جاء الدرس البلاغيّ عند القدماء مدفوعاً برغبة معرفة دقائق اللغة العربيّة، وأسرارها، والكشف عن وجوه الإعجاز في نظم القرآن الكريم وصولاً إلى قوانين تمكنهم من الوقوف على مقاصد الشارع الحكيم، وتمكنهم من محاكاة أسلوب النظم القرآني المعجز، وقد انقسم الدرس البلاغيّ عندهم إلى ثلاثة أقسامٍ أساسيّة، هي: البيان، والمعاني، والبديع، وحديثنا في هذه الورقات مختصّ بالبيان.  يبحث علم البيان في وسائل التصوير الفنّي، وأهمّها : التشبيه، والكناية والاستعارة، ويقيم هذا العلم حتى وقت متأخّرٍ من الدراسات البلاغيّة القديمة فواصل بين هذه الأنواع الثّلاثة، وقد باتت هذه الأصول الثّلاثة- إن صحّ التعبير- تدخل في إطار ما يعرف الآن بـ (الصّورة الشّعريّة) أو (اللّوحة الفنّيّة).  ويمكن الوصول إلى البيان العربيّ من خلال مؤلفات الأقدمين الذين أثروا المكتبة العربيّة بذخائر الأدب والثقافة والعلوم اللّغويّة، ومن أشهر المؤلفات البلاغية التي عنيت بالبيان العربي قديماً: - البيان والتبيين : الجاحظ 255هـ. - البديع: عبدالله بن المعتزّ 296هـ.  - نقد الشّعر: قدامة بن جعفر 337هـ...

مقدّمة الجاحظ في كتاب الحيوان- عرض وتقديم

بسم الله الرّحمن الرّحيم  بقلم الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان   عمرو بن بحر الجاحظ، ومن لا يعرف أبا عثمان؟ هل يعيبه أنه نشأ يبيع الخبز، والسمك بنهر سيحان؟ أم لأنه أعجمي الأصل وينافح عن العربية؟ مالذي عابوه على هذا الرجل، حتى يقفوا أمامه يتعرضون لما يكتب، ويؤلف، وينشر؟  لن أدافع عنه…  بل في سيرة حياة هذا الرجل ما يقطع قول كل حكيم. وماذا أقول فيمن أخذ عن علماء اللغة، أصولها، فبرع فيها، حتى إنك لا تكاد تجد مؤلفاً في اللغة، إلا وفيه رأيٌ للجاحظ، أو شاهد؟. وهو الذي لم يكن يقع في يديه كتابٌ، إلا ويقرأه من أوله إلى آخره. بل لقد كان يكتري دكاكين الوراقين، يبيت فيها للقراءة، والنظر. وما هذه الكتب التي يقرأها؟ فيها من كل ما ترجم عن ثقافات الفرس، والهند، واليونان. ولم تكن ثقافة العرب ودينها، عنه ببعيدان.  لن أدافع عنه…  فلهذا الرجل لسانه، الذي نافح به عن العربية، في وجه الشعوبية، دفاعاً، لن تجد من أهل العربية، أنفسهم، من يدافع مثله. وهو الذي قال:" كلام العرب بديهة وارتجال، وكأنه إلهام".  لن أدافع عنه…  وهل هو بحاجةٍ إلى من يدافع عنه؟ وقد كان معتزلي الف...