التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف دراسات لغوية

نحو قراءة تداولية للاشتراك الصرفي في العربية

بقلم | د. عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان يكشف مفهوم الاشتراك الصرفي عن طبيعة التفاعل بين الشكل والمعنى في اللغة العربية، إذ لا يمكن النظر إلى البنية الصرفية على أنها قالبٌ جامد تُصبّ فيه المعاني صبًّا، بل هي نسق حيّ، تتحرك فيه الصيغ وتتبدّل وظائفها بحسب المقام الذي ترد فيه، فالصرف في جوهره ليس علمًا يقتصر على ضبط الأبنية وتحليل اشتقاقها، وإنما هو مجال دلاليّ أيضًا، يُسهم في بناء المعنى وتوجيهه ضمن النظام العام للغة، والبنية في العربية لا تعمل بوصفها مجرد وزنٍ صوتيٍّ ذي وظيفة محددة، بل تؤدي دورًا توليديًّا يُتيح للغة أن تعبّر عن طيفٍ واسعٍ من الدلالات، دون أن تخرج عن حدود النظام. إنّ الاشتراك البنيوي – حيثُ تتعدد المعاني في البنية الصّرفية الواحدة – والاشتراك الدلالي – حيث تتعدد البنى الصّرفيّة الدّالة على معنى واحد – هما وجهان متكاملان لآليّة واحدة يقوم عليها النظام العربي في توليد الدلالة، ففي اشتراك البنية الصّرفيّة تتجلّى مرونتها، إذ تستطيع أن تُعبّر عن معانٍ متقاربة أو متباينة بحسب السياق، كما في بنية (فعّال) التي تدلّ تارة على المبالغة، وتارة على الاسم المنسوب، أما في اشتراك عدّة ب...

الأمراض اللغويّة وأمراض الكلام

  بقلم/ د. عبدالكريم اعقيلان لقد كانت العناية باللغة عند العرب عناية لا تنفكّ عن النظر في سلامتها وحفظها من العلل والأمراض، ذلك أنّ اللغة في نظرهم ليست مجرّد أصوات تُتداول أو تراكيب تُؤدَّى، بل هي هويةٌ جامعة، ومخزنٌ للمعرفة، ووعاءٌ للفكر، ومن هنا نشأ الوعي بما يمكن أن يُسمّى – استعارةً – (أمراض اللغة) و(أمراض الكلام)، حيث شبّه اللغويون والباحثون اللغة بالكائن الحيّ الذي يعتريه الخلل كما يعتري الأجساد، وهذه النظرة، وإن بدت في ظاهرها مجازًا، إلا أنّها تنطوي على فلسفة عميقة تجعل اللغة قابلة للتوصيف والتشخيص والمعالجة. وقد اخترت أن أتناول هذا الموضوع من خلال ثلاث دراسات: الأولى دراسة عزّ الدّين حفّار عن (ابن البنّاء المرّاكشي) (471هـ) الذي صنّف الأمراض اللغوية وصاغ لها تشخيصًا مبكّرًا، والثانية دراسة كلتوم رحموني عن (عبد الرحمن الحاجّ صالح) (1931–2021) الذي أعاد قراءة تلك المفاهيم في ضوء اللسانيات النفسية الحديثة، والثالثة دراسة محمد النوبي (2017) الذي قدّم العلم التطبيقي المعروف اليوم بـ (علم أمراض النطق واللغة)، فجعل من هذه القضايا موضوعًا للتشخيص والعلاج في الممارسة السريرية،...

لغات توخارية حديثة - هل تقود اللغة الاقتصاد؟

بقلم/ د. عبدالكريم اعقيلان إنّ المال هو عصب العلاقات التّجاريّة، باعتباره الأداة التي تقوم عليها التبادلات التّجاريّة، وهو في حقيقته متعدد الأصناف، فهناك الدّولار واليورو والدرهم والدينار وكذلك الرّيال، واليوان، وهذه كلها عملات تجاريّة لها أسواقها التّجاريّة التي تستخدم فيها لإجراء التبادلات التّجاريّة، وقد دخلت الأسواق الآن في مرحلة أخرى من مراحل التّبادل التّجاري بالعملات من خلال العملات الرّقميّة المشفّرة، وهي متفاوتة من حيث القيمة والأهمية في المعاملات الاقتصادية، وأصبحت جزءًا مهمًّا تسعى كثيرٌ من الدّول إلى تبنّي الاستثمار فيها استعدادًا للتّغيّرات المحتملة في الاقتصاد المستقبليّ. ومن جانب آخر، تأتي اللّغة لتحتلّ مكانة مهمّة في المعاملات التّجاريّة، وهذه الأهميّة تتعدّى فكرة التّواصل والتّعبير عن الأغراض الاقتصاديّة والتّرويج للمنتجات، إذ تتحوّل اللّغة إلى أداة استراتيجيّة تفتح الأسواق وتقرّب بين الثّقافات وتمنح العلامات التّجاريّة القدرة على الانتشار، فاختيار لغة الإعلان أو لغة العلامة التجاريّة قد يحدّد حجم انتشارها ومدى قبولها في الأسواق المختلفة، كما أنّ التّرجمة الدّقيقة والق...

اللغة العربية - تاريخ وتحدّيات

  اللغة العربية - تاريخ وتحدّيات   تُعدُّ اللغة العربية واحدة من اللغات الحية الأكثر استخدامًا في العالم، وقد شكلت جزءًا أساسيًا من التاريخ الإنساني والثقافي للعالم العربي والإسلامي، وتعود جذور اللغة العربية إلى القرن الرابع الميلادي، حيث كانت مستخدمة في الجزيرة العربية من قبل القبائل العربية، وفي ذلك الوقت، كانت اللغة العربية مكونة من مجموعة من اللهجات، وكان استخدامها محدودًا في الكتابة. بعد ذلك، تغيرت الأحوال السياسية والثقافية في المنطقة، وقامت الدولة الإسلامية في القرن السابع الميلادي بتوسيع نطاق استخدام اللغة العربية بشكل كبير. وقد أصبحت اللغة العربية لغة القرآن ولغة الدعوة الإسلامية، وانتشر استخدامها بسرعة في كل أنحاء العالم الإسلامي. في القرون التالية، تطورت اللغة العربية بشكل كبير، حيث بدأ استخدامها في الأدب والعلم والفلسفة والتاريخ وغيرها من المجالات وترجم العلماء العرب العديد من الأعمال الفلسفية والعلمية إلى اللغة العربية، مما أدى إلى تطور المفردات والقواعد والتراكيب اللغوية. اللغة العربية واللّغات السّاميّة تنتمي اللغة العربية إلى الفرع السامي للغات الأفروآسيوية، و...

لغة الاقتصاد وأثرها في التّواصل

  لغة الاقتصاد  تمثل اللغة إحدى الركائز الأساسية في حياة الإنسان؛ فهي وسيلته الأولى للتعبير عن ذاته، وأداته الجوهرية في التواصل مع محيطه. غير أن وظيفة اللغة لا تقتصر على كونها أداة للتخاطب، بل تتجاوز ذلك لتؤثر في طريقة إدراكنا للواقع، وتشكّل أنماط تفكيرنا، وتحدد آليات معالجتنا للمعلومات وفهمنا للخطاب الموجّه إلينا أو الصادر عنا.  وفي هذا السياق، تبرز "لغة الاقتصاد" بوصفها نمطًا تخصصيًا من أنماط اللغة، يتم توظيفه في تحليل الظواهر الاقتصادية، وصياغة النظريات، وبناء المفاهيم المتعلقة بعالم المال والأعمال. وغالبًا ما توصف هذه اللغة بالتعقيد، لا بسبب بنيتها الاصطلاحية فحسب، بل لما تتطلبه من خلفية معرفية دقيقة، وقدرة على إدراك العلاقات السببية والكمّية في النصوص الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعلّم هذه اللغة ليس مستحيلاً، بل يمكن بلوغه من خلال التمرّس على المفاهيم الأساسية، وفهم دلالات المصطلحات التي تشكّل بنيتها. أولًا: اللغة الاقتصادية وتأثيرها في الخطاب العام  إن للغة الاقتصاد حضورًا متزايدًا في الخطاب اليومي، خاصة في ظل الأزمات العالمية المتلاحقة، ما أد...