التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المعلّم بين تحديات القرن وفلسفة التطوير


يمثّل المعلّم بدروه المنوط به، سياجًا منيعًا يُحيطُ بالمجتمع، ابتداءً من فلذة الأكباد، الذين يُستأمنُ عليهم، في ظلّ التغييرات السريعة التي تحدث في العالم من حولنا، وكانت التركيبة العقلية لأبنائنا الطلاب متماشية مع تلك التغييرات، مما جعل من مهمّة المعلم في مواجهة تحديات متجددة في القرن الواحد والعشرين. 
لم يَعُد المعلم ذلك الشخص الحاصل على شهادةٍ جامعيّةٍ في تخصّصٍ ما، بل ينبغي لمن ًيريدُ الولوج في عالم التربية والتعليم أن يتسلّح بأحدثِ الوسائل التربوية والتعليمية التي تمكنّه من القيام بمهمّته بصورةٍ فعّالة، تواكبُ طموح التلاميذ وهواياتهم وطرق التأثير فيهم، وتطوّر وسائل التعليم الأكاديميّة، مما يجعل من عمليّة التعليم تشاركيّة، تعزز الشخصية الفردية عند المتعلّم، وتزيد من ثقته بنفسه، وتحوّل صور التذمّر إلى رغبات متجددة في التعلّم، ليكون دور المعلم في الواقع موجّهًا تربويًّا يقود المتعلّمين نحو تحقيق الذات. 
ومن هنا، تبرز فكرة التعليم وفق مهارات القرن الواحد والعشرين، التي تُحاكي الواقع العقليّ الذي يسير المتعلمون وفقه، بما تشتمل عليه هذه المهارات من عملٍ تعاونيّ، وتوظيف للتكنولوجيا، وتعزيز للتفكير الناقد، وتفعيل عمليات التحليل العقليّ بالعصف الذّهني. 
إن امتلاك المعلم لهذه المهارات وحسن توظيفه لها يدفع باتجاه خوض غمار العملية التعليمية بثقةٍ ترفع سقف توقع النتائج الإيجابية على صعيد الأداء الأكاديميّ، وتزيد من تأثير ذلك في الواقع الملموس للمتعلمين، بينما يبقى السير في فلك الأداء الأكاديمي التقليديّ منبعًا لجملةٍ من العوائق التي تزيد من التحديات والصعوبات في واقع العملية التعليمية. 
وفي الوقت الراهن، تقدّم الؤسسات التعليمية أطروحات تربوية تأخذ بيد المعلم نحو امتلاك المهارات التي تعزز دوره في الواقع الأكاديميّ، على شكل دورات تطويرٍ تربوية، تضيف إلى خبرات المعلم ما يستجد في عالم التربية والتعليم. 
ويتكامل السياج الذي يتملكه المعلّم في المجتمع الأكاديمي، بتمثّل معاني القدوة الحسنة، والأمانة العلمية، ليضيف إلى مخزونه العلميّ وسجلّه التطويريّ فلسفةً تعليميّة تربويّة، قيمًا وسلوكًا نجد أثرها في مستقبل أبنائنا المتعلمين ثمارًا طيّبة الغراس...
بقلم/ الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القبائل الّتي يُحتجّ بلغتها في أصول العربيّة

بقلم: الدكتور عبدالكريم اعقيلان عناصر الموضوع: - سبب تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها. - تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها. - تداخل عنصريّ الزّمان والمكان في الاحتجاج اللّغويّ. - تحديد القبائل الّتي لم يُحتجّ بلغاتها. المراجع: - الفارابي : الألفاظ والحروف - السيوطي : الاقتراح - السيوطيّ: المزهر - ابن جنّي: الخصائص - محمّد عبده فلفل: اللّغة الشّعريّة عند النّحاة - مصطفى الرّافعيّ: تاريخ آداب العرب ***** أولاً: سبب تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها: تدخل قضيّة القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها في أصول اللّغة من كونها المستند الّذي يعتمده اللّغويّون في تقعيد اللّغة، أو وضع القاعدة اللّغويّة، والكلام المُتداول هو المسرح الّذي استمدّ منه اللّغويّون شواهدهم اللّغويّة، وهو مساحةٌ كبيرة من شرائح المجتمع، الّذي تدور اللّغة في فلكه، وتنشأ في أحضانه. وقد كان السّبب الرّئيس لتحديد هذه القبائل مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بخدمة القرآن الكريم، وهو الكتاب المبين الّذي نزل بلسان العرب ولغتهم، وقد ترتّب على هذا الأمر أن يحرص اللّغويّون على اختيار المستوى ال...

نبذة مختصرة في علم البيان

بقلم  الدّكتور/ ضياء الدّين الحموز جاء الدرس البلاغيّ عند القدماء مدفوعاً برغبة معرفة دقائق اللغة العربيّة، وأسرارها، والكشف عن وجوه الإعجاز في نظم القرآن الكريم وصولاً إلى قوانين تمكنهم من الوقوف على مقاصد الشارع الحكيم، وتمكنهم من محاكاة أسلوب النظم القرآني المعجز، وقد انقسم الدرس البلاغيّ عندهم إلى ثلاثة أقسامٍ أساسيّة، هي: البيان، والمعاني، والبديع، وحديثنا في هذه الورقات مختصّ بالبيان.  يبحث علم البيان في وسائل التصوير الفنّي، وأهمّها : التشبيه، والكناية والاستعارة، ويقيم هذا العلم حتى وقت متأخّرٍ من الدراسات البلاغيّة القديمة فواصل بين هذه الأنواع الثّلاثة، وقد باتت هذه الأصول الثّلاثة- إن صحّ التعبير- تدخل في إطار ما يعرف الآن بـ (الصّورة الشّعريّة) أو (اللّوحة الفنّيّة).  ويمكن الوصول إلى البيان العربيّ من خلال مؤلفات الأقدمين الذين أثروا المكتبة العربيّة بذخائر الأدب والثقافة والعلوم اللّغويّة، ومن أشهر المؤلفات البلاغية التي عنيت بالبيان العربي قديماً: - البيان والتبيين : الجاحظ 255هـ. - البديع: عبدالله بن المعتزّ 296هـ.  - نقد الشّعر: قدامة بن جعفر 337هـ...

مقدّمة الجاحظ في كتاب الحيوان- عرض وتقديم

بسم الله الرّحمن الرّحيم  بقلم الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان   عمرو بن بحر الجاحظ، ومن لا يعرف أبا عثمان؟ هل يعيبه أنه نشأ يبيع الخبز، والسمك بنهر سيحان؟ أم لأنه أعجمي الأصل وينافح عن العربية؟ مالذي عابوه على هذا الرجل، حتى يقفوا أمامه يتعرضون لما يكتب، ويؤلف، وينشر؟  لن أدافع عنه…  بل في سيرة حياة هذا الرجل ما يقطع قول كل حكيم. وماذا أقول فيمن أخذ عن علماء اللغة، أصولها، فبرع فيها، حتى إنك لا تكاد تجد مؤلفاً في اللغة، إلا وفيه رأيٌ للجاحظ، أو شاهد؟. وهو الذي لم يكن يقع في يديه كتابٌ، إلا ويقرأه من أوله إلى آخره. بل لقد كان يكتري دكاكين الوراقين، يبيت فيها للقراءة، والنظر. وما هذه الكتب التي يقرأها؟ فيها من كل ما ترجم عن ثقافات الفرس، والهند، واليونان. ولم تكن ثقافة العرب ودينها، عنه ببعيدان.  لن أدافع عنه…  فلهذا الرجل لسانه، الذي نافح به عن العربية، في وجه الشعوبية، دفاعاً، لن تجد من أهل العربية، أنفسهم، من يدافع مثله. وهو الذي قال:" كلام العرب بديهة وارتجال، وكأنه إلهام".  لن أدافع عنه…  وهل هو بحاجةٍ إلى من يدافع عنه؟ وقد كان معتزلي الف...