مع إشراقة شمس كل يوم تتجدد للحياة صورتها، وتتعدد للمعرفة مشاربها، وتتنامى للبشرية ثقافتها، وفي خضمّ هذه السّعة الحضاريّة تبقى الحضارة الإسلاميّة، قائمةً على أصولها، لا تشوبها الأساطير المختلقة، ولا تهدّدها الانحرافات الفكريّة الممزّقة، ولا يخيفها الانفتاح العالميّ الّذي جمع بين المتناقضات في بوّاباته المتفرّقة. لقد كانت رسالة الإسلام عالميّةً منذ بدايتها، حين وجّهت خطابها إلى الجنس البشريّ لتدعُوَه إلى الاعتراف بحقيقة هذا الوجود، وحقيقة خالقه، وهي دعوةٌ لا يقف أمامها معترضٌ إلا وله في اعتراضه حظٌّ في دنيا يصيبها، أو عداوةٌ يكنّها إلى أرباب هذه الدّعوة، وهذه هي صورة الصّراع الذي واجهته الدعوة الإسلاميّة على اختلاف الأزمنة والبقاع. إنّ الاختلاف حقيقةٌ راسخةٌ في تاريخ البشريّة، وهو اختلافٌ يتنوّع بين اختلافٍ في الفهم، أو اختلافٍ في الاعتقاد، أو اختلافٍ في الهدف والغاية، وهذا بدوره يفرض ألاّ تغفلَ المعادلة السّياسيّة المنظّمة للعلاقة بين أفراد الجنس البشريّ عن هذا الاختلاف، ومن شأن أخذه بعين الاعتبار أن يسهُلَ الوصولُ إلى الكلمة السّواء الّتي تحقّقُ للبشريّة سلمها الاجتماعيّ والنّفسيّ ...