· بقلم: الدكتور عبدالكريم اعقيلان
· عناصر الموضوع:
1. موقع الحديث الشّريف من مصادر التّوثيق اللّغويّة.
2. منشأ فكرة رفض الاحتجاج بالحديث الشّريف.
3. نسبة الاحتجاج بالحديث الشّريف في مواطن الاحتجاج اللّغويّ: النّحو- الصّرف- اللّغة- البلاغة.
4. الأقوال في تحديد بداية الاستشهاد بالحديث الشّريف وتطوّره.
5. الحديث الشّريف في كتاب سيبويه.
6. القائلون بمنع الاحتجاج بالحديث ودعواهم.
7. القائلون بجواز الاحتجاج بالحديث ودعواهم.
8. نتائج الصّراع بين المانعين والمجوّزين:
- بروز اتجاه ثالثٍ متّصلٍ بالقديم
- بروز اتجاه رابعٍ حديث
9. النّتائج العامّة.
· المراجع:
- الاقتراح: الزّمخشريّ
- خزانة الأدب: البغدادي
- أصول النّحو: محمّد سالم صالح
- نظرات في اللغة والنحو: طه الراوي
- أصول التّفكير النّحويّ: عليّ أبو المكارم
- الفكر النّحويّ عند العرب: علي مزهر الياسريّ
- حجّيّة الحديث في أصول النّحو: محمّد ضاري حمّادي
- الشاهد وأصول النّحو في كتاب سيبويه: خديجة الحديثي
· أوّلاً: موقع الحديث الشّريف من مصادر التّوثيق اللّغويّ:
يُقصد بالحديث الشّريف: كلام الرّسول- صلّى الله عليه وسلّم- الّذي تلفّظ به، وهو في اصطلاح أهل الحديث: " ما صدر عن النبيّ محمّد- صلّى الله عليه وسلّم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير".
وقد دخل الحديث الشّريف ميدان تقرير القاعدة اللّغويّة في اللّغة العربيّة من كونه كلاماً عربيّاً صدر من أفصح إنسانٍ نطق بالعربيّة- صلّى الله عليه وسلّم- وقد احتلّ الحديث الشّريف المرتبة الثّانية بعد القرآن الكريم من حيثُ الاستشهاد به.
· ثانياً: منشأ الصّراع حول حجّيّة الحديث الشّريف في أصول العربيّة:
دارت رحى هذا الصّراع ابتداءً من مقولةٍ أطلقها كلٌّ من:
- أبو حيّان الأندلسيّ (745هـ) في شرح التّسهيل.
- الحسن بن الصّائغ (680هـ) في شرح المجمل.
ومفاد هذه المقولة: أنّ أئمّة النّحو المتقدّمين من المصرين: البصرة والكوفة، لم يحتجّوا بشيءٍ من الحديث النّبويّ الشّريف، فذاعت هذه المقولة، فكان لها مؤيّدوها ومعارضوها.
قال أبو حيّان في معرض هجومه على ابن مالك (672هـ) جرّاء اعتماده على الحديث الشّريف أصلاً من أصول اللّغة والنّحو: " قد أكثر المصنّف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلّيّة في لسان العرب، وما رأيتُ أحداً من المتقدمين والمتأخّرين سلك هذه الطّريقة غيرُه…"([1]).
وقال ابن الصّائغ، وكان أسبق من أبي حيّان في هذا الادّعاء، وهو يعرض لاستدلال ابن خروف الأندلسيّ (609هـ) بالحديث الشّريف: "وابن خروف يستشهد بالحديث كثيراً، فإن كان على وجه الاستظهار والتبرّك بالمرويّ فحسنٌ، وإن كان يرى أنّ من قبلَه أغفل شيئاً وجب عليه استدراكه فليس كما يرى…"([2]).
· ثالثاً: الأقوال في تحديد بداية الاستشهاد بالحديث الشّريف وتطوّره:
فيما يأتي مجموعة من الأقوال الّتي تشير إلى بدايات الاستشهاد بالحديث الشّريف، وهي أقوال متضاربة تعكس صورةً غير واضحةٍ حول حقيقة موقف المتقدّمين في الاستشهاد بالحديث الشّريف.
1. الرّأي الشّائع: أنّ رأس الاستشهاد بالحديث الشّريف هو ابن مالك (672هـ) دمشق.
2. رأي ابن الصّائغ: يعيد الأمر إلى ابن خروف (609هـ) الأندلس.
3. يوهان بك: يعزوه إلى ابن سرّي (582هـ) من نحاة مصر.
4. فاضل السّامرّائي: يقدّم الزّمخشريّ (538هـ) وهو بغداديّ متأخّر.
5. عبدالفتّاح إسماعيل شلبيّ: أبو عليّ الفارسيّ (377هـ).
6. عبدالعزيز مطر: ابن السّكيت (244هـ)- ابن قتيبة (276هــ)- الزّبيديّ (379هـ).
إنّ هذا التّحديد يُقدّم ذكراً للشّخصيّات الّتي اشتهر الاحتجاج بالحديث الشّريف على أيديهم، ولا ينفي أن يكون الحديث قد استشهد به من سبقهم، ويمكن أن يفسّر هذه الشّهرة لديهم أن يتقرّر بأن اندفاع المتقدّمين في اتجاه الاحتجاج بالحديث الشّريف كان يتركّز في التثبّت اللّفظيّ وتحقيق النّصوص اللّغويّة مع قلّته في استنباط القاعدة النّحويّة ووضع الأحكام فأصبح "رَبْعُ اللّغة به خصيباً بقدر ما صار رَبْعُ النّحو منه جديباً"([3])، وفي المقابل، كان اندفاعهم للاستشهاد بالحديث الشّريف في الأدب والبلاغة أكثر منه في اللّغة.
· رابعاً: موقع الحديث الشّريف من الاستشهاد في مجالات اللّغة وصوره:
نظرة تاريخيّة
- الحديث في اللّغة والنّحو والصّرف: كانت صور الاحتجاج تتركّز على توثيق صحّة الألفاظ وسلامتها.
- المؤلّفات الّتي استخدمت هذه الصّورة:
القرن الثّاني: معجم العين- الفراهيديّ (175هـ).
القرن الثّالث: معاني القرآن- الفرّاء (207هـ)/ الكامل- المبرّد (285هـ).
القرن الرّابع: الاشتقاق- ابن دريد (321هـ)/ تهذيب اللّغة- الأزهريّ (370هـ).
القرن الخامس: فقه اللّغة- الثّعالبيّ (429هـ)/ وهناك أيضاً: ابن حزم (456هـ) وابن سيده (458هـ).
القرن السّادس: المفصّل في النّحو- الزّمخشريّ (538هـ)
الأمالي الشّجريّة- ابن الشّجريّ (542هـ)
القرن السّابع: شرح كتاب سيبويه (مخطوط)- ابن خروف (609هـ).
- التوسّع في الاستشهاد:
القرن السّادس: أمالي السّهليّ (581هـ).
القرن السّابع: التّسهيل لابن مالك (672هـ)/ شرح الكافية للاستراباذيّ (686هـ)
شرح ألفيّة النّاظم- بدر الدّين بن النّاظم (686هـ).
القرن الثّامن: أوضح المسالك- ابن هشام الأنصاريّ (761هـ)/ الألفيّة- ابن عقيل (769هـ).
القرن التّاسع: شرح التّسهيل- محمّد بن أبي بكر الدّمامينيّ (827هـ).
القرن العاشر: شرح الأشمونيّ (929هـ).
- مؤلّفات لاحقة:
حاشية على شرح قطر النّدى- السّجاعيّ (1197هـ).
حاشية على شرح الأشمونيّ- محمّد بن عليّ الصبّان (1206هـ).
حاشية على شرح ابن عقيل- محمّد الخضريّ الدّمياطيّ (1290هـ).أبي
تظهر النظرة السّابقة أنّ الاستشهاد بالحديث الشّريف يتصدّر مكاناً في أشهر مصنّفات اللّغة ومعجماتها، وهذا يعني أنّه كان مصدراً مهمّاً من مصادر التّوثيق اللّغويّ، الّذي يعدّ بوابةً لتأطير القواعد اللّغوية وتأسيسها.
- الحديث الشّريف في البلاغة والأدب:
يظهر موقع الحديث الشّريف في البلاغة والأدب من خلال النّظر في أصول الأدب العربيّ الأربعة، كما ذكرها ابن خلدون، وهي:
1. البيان والتبيين- الجاحظ (255هـ)
2. أدب الكاتب- ابن قتيبة (276هـ)
3. الكامل- المبرّد (285هـ)
4. الأمالي- القالي (356هـ)
بالإضافة إلى :
- أسرار البلاغة- الجرجانيّ (474هـ)
- أمالي المرتضى- المرتضى (436هـ) وغيرها
وتفيض هذه المؤلّفات بالحديث الشّريف شاهداً مقطوعاً به في الدّرس البلاغيّ الأدبيّ العربيّ.
· توضيح صورة الاستشهاد بالحديث الشّريف في جوانب اللّغة السّابقة:
احتجّ ابن جنّي النّحويّ كما يأتي:
- " الشّيب تعربُ عن نفسها" ، في بيانه لمعنى الإعراب- استشهاد لغويّ.
- "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، بيان حذف الصّفة لوجود دلالتها- استشهاد نحويّ.
- " بل أنتم بنو لاشدان"، بيان زيادة الألف والنّون في الكلمة التي صدرها ألف أصليّة- استشهاد صرفيّ.
ويمكن القول بأنّ الكلام الّذي يصحّ الاحتجاج به في اللّغة يلزم الاحتجاج به في النّحو والتّصريف؛ لأنها جميعها تعود إلى أصلٍ واحدٍ، كما قال بذلك الخطيب البغداديّ في خزانته الأدبيّة.
· خامساً: الحديث في كتاب سيبويه:
- الفكرة الشّائعة: أنّ سيبويه لم يحتجّ في كتابه بحديث الرّسول- صلى الله عليه وسلّم- فكانت هذه حجّة استمسك بها الباحثون وهم يستلهمون لفكرة عدم الاحتجاج الأوائل بالحديث الشّريف.
وهذه الفكرة ربّما تكون سائغةً؛ لأنّ "الكتاب" لايذكر صراحةً فيما يضربه من شواهد لغويّة أنّ هذا القول أو ذاك هو من حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وربّما كانت مكانة الكتاب، الّذي أُطلقَ عليه "قرآن النّحو"، واعتقاد كبار العلماء كالمبرّد حين يصف قراءته بـ (بركوب البحر)، ربّما كان لذلك أثرٌ في تجنّب القدح بالكتاب أو نقده أو مراجعته.
في العصر الحديث، عمد عددٌ من الباحثين إلى استقراء الكتاب، فوجدوا فيه ما يمكن أن يكونَ من أحاديث الرّسول- صلّى الله عليه وسلّم- ووجدوا مثيلها في كتاب الصّحاح، مثل: صحيح البخاري- وصحيح مسلم- ومسند الإمام أحمد… .
- الأحاديث في كتاب سيبويه:
1. "كلّ مولودٌ يولد على الفطرة، فأبواه هما اللّذان يهوّدانه وينصّرانه".
2. "سبّوحاً قدّوساً رب الملائكة والرّوح".
3. "إنّي عبدالله آكلاً كما يأكل العبد، وشارباً كما يشربُ العبدُ".
- ما يُحتمل أن تكون من الأحاديث:
1. "النّاسُ مجزيّون بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرً".
2. "المرءُ مقتولٌ بما قتل به، إن حجراً فحجر، وإن سيفاً فسيف".
3. "نهاره صائم، وليله قائم".
4. "الله أكبر دعوة الحقّ".
- من أقوال الصّحابة- رضي الله عنهم:
- قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: " قضيّة ولا أبا حسنٍ لها"، فهذا شاهدٌ خرج عن القاعدة الّتي تمنع إعمال "لا" النّافية للجنس في المعرفة، وربّما يكون هذا من باب الأمثال الّتي تُبنى على حركة الحكاية، ولا تؤثّر فيها العوامل.
- كيفيّة ورود هذه الأقوال سواءً الأحاديث أو ما يمكن أن تكون أحاديث أو أقوال الصّحابة:
غالباً ما كانت هذه الأقوال تسبق بعبارات مثل:
- ومن العرب من يرفع فيقول…
- وذلك قولك…
- وأمّا… ونحو ذلك.
- تفسير قلّة الأحاديث في كتاب سيبويه:
1. استغناء سيبويه بالقرآن وأسلوبه الّذي يجمعُ العربَ ويوحّدهم على اختلاف لغاتهم.
2. ربّما قسّم سيبويه الكلامَ المحتجّ به إلى قسمين: القرآن الكريم وكلام البشر، فكأنّ كلام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، الّذي هو من البشر قد قيسَ عليه أو قورن بينه وبين ما ورد عن العرب ليبيّن أنّه إنّما نزل على ما تكلّمت به العرب وعلى ما يعنون؛ فيكون مقصود سيبويه أن يسوّي بين هذه الأحاديث وما نطقت به العرب على اختلاف قبائلهم، فقدّم لها بما يشبه عادةً ما يُستشهدُ به من كلام العرب المنثور، فاهتمّ بنسبة الشّواهد إلى القبائل لا إلى الأشخاص؛ لأنّ الأفراد عادةً يتكلّمون بلغة قبائلهم، كما أنّه لم ينسب كثيراً من أبيات الشّعر إلى قبائلها.
3. قد تكون الأسباب فكريّة أو مذهبيّة أو سياسيّة، أي أنّها ثمرة الأوضاع المضطربة الّتي سادت البيئة الّتي عاشت فيها طوائف النّحاة الأولى؛ حتى ينأوا بأنفسهم عن أن يكونوا طرفاً في معركةٍ عقيديّة بين أهل الكلام وأهل الحديث.
· سادساً: القائلون بمنع الاحتجاج بالحديث الشّريف:
- المتقدّمون:
- الحسن بن الصّائغ (680هـ)
- أبو حيّان الأندلسيّ (745هـ) – زعيم المانعين
- جلال الدّين السّيوطيّ (911هـ)
- المحدثون:
- إبراهيم مصطفى- مقالة في أصول النّحو، مجلّة مجمع اللّغة العربيّة.
- عبدالصّبور شاهين- مقالة مشكلات القياس، مجلّة عالم الفكر.
- مهدي المخزوميّ- الخليل بن أحمد الفراهيديّ ، مدرسة الكوفة.
- عبدالعال سالم مكرّم- القرآن الكريم وأثره في الدّراسات النّحويّة.
- طه الرّاوي- نظرات في اللّغة والنّحو.
- فاضل السّامرّائيّ- ابن جنّى النّحويّ.
- حجة المانعين:
1. شبهة جواز رواية الحديث بالمعنى تجعل الأحاديث المنقولة ليست على ألفاظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، هذا تصريح ابن الصّائغ، ويقول سفيان الثّوري: " إن قلت لكم إنّي أحدّثكم كما سمعت فلا تصدّقوني، إنّما هو المعنى"، وعلى ذلك: لا حجّة لهذه الألفاظ في اللّغة.
2. وجود رواةٍ للحديث من غير العرب بالطّبع، ولا يعلمون لسان العرب، مما يؤدّي إلى وقوع اللّحن فيما رووا من أحاديث، فوقع فيها ما ليس بفصيح.
· سابعًا: القائلون بجواز الاحتجاج بالحديث الشّريف:
- المتقدّمون:
- محمّد بن عبدالله (ابن مالك) (672هـ).
- ابن هشام (761هـ).
- ابن عقيل (769هـ).
- الدّمامينيّ (827هـ). وغيرهم.
- المحدثون:
- أحمد مكّي الأنصاريّ- أبو زكريا الفرّاء ومذهبه في النّحو.
- عباس حسن- اللّغة والنّحو.
- محمّد ضاري حمّادي- حجّيّة الحديث في أصول العربيّة.
- صبحي الصّالح- دراسات في فقه اللّغة.
- خديجة الحديثيّ- أبو حيّان النّحوي/ موقف النّحاة من الاحتجاج بالحديث الشّريف
- حجّة المجوّزين:
1. الاستناد إلى احتجاج اللّغويّين في معاجمهم بالحديث الشّريف.
- أمثلة:
أ. مدرسة العين للفراهيديّ (175هـ) : التّهذيب للأزهريّ (370هـ)
المحكم لابن سيده (458هـ)
ب. مدرسة الجمهرة لابن دريد (321هـ): مقاييس اللّغة لابن فارس (395هـ)
مجمل اللّغة لابن فارس
ج. مدرسة الصّحاح للجوهريّ (398هـ): لسان العرب لابن منظور (711هـ)
تاج العروس لمرتضى الزبيديّ (1205هـ)
د. مدرسة أساس البلاغة للزّمخشريّ (538هـ): معاجم اليسوعيّين/ معاجم مجمع اللّغة
2. تطرّق احتمال الرّواية بالمعنى لا يلزم منه عدم صحّة النّقل، فقسّموا الحديث إلى قسمين:
- قسم مدوَّن: وهذا دُوِّن في فترة يُحتجُّ فيها بلغة أهلها، فاللّفظ المبدل حجّة، واللّفظ المبدل به حجّةٌ أيضاً، إذا سلّمنا بقضيّة الرّواية بالمعنى.
- قسمٌ غير مدوّن: وهذا القسم، لا يلغي حجّيته احتمال تطرّق الرّواية له بالمعنى؛ لأنّ الأصل في المرويّ أن يكونَ بلفظه كما سُمع من الرّسول- صلّى الله عليه وسلّم- والتّسليم بوقوع الرّواية بالمعنى لا يعني وقوعها في جميع ألفاظ الحديث، إذ سيكون الحديثُ غير موثوقٍ به.
· ثامنًا: نتائج الصّراع بين المانعين والمجوّزين:
ظهر من هذا الصّراع اتّجاهان:
الأوّل: اتّجاهٌ قديم: وقد توسّط هذا الاتّجاه وقسّم الحديث إلى قسمين من حيث الكيفيّة الّتي جرى نقله بها:
1. قسمٌ يعتني ناقله بمعناه دون لفظه، وهذا لا يدخل في الاستشهاد به.
2. قسمٌ عُرِف اعتناء ناقله بلفظه مقصوداً، مثل: كتب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ورسائله، وما يُعرف بـ (الأمثال النّبويّة)، وهذا يُستشهدُ به.
وقد كان زعيم هذا الاتّجاه: الإمام الشّاطبيّ (790هـ)، وقد كان موقفه يتركّز في رفض التطرّف بشأن المنع أو التّجويزـ فقد رفض عمل ابن مالك؛ لتطرّفه في الأخذ بالحديث الشّريف، كما رفض موقف المانعين؛ لتطرّفهم بالرّفض.
وقد أثّر تقسيم الشّاطبيّ في المحدثين، مثل: إبراهيم اللّخميّ، كما بات هذا التّقسيم أساساً بنى عليه المعاصرون موقفهم من حجّيّة الحديث الشّريف، وقد فصّل موقف المعاصرين موقف الشّاطبيّ.
الثّاني: اتّجاهٌ حديث:
- أساس هذا الاتّجاه:
تقدّم بهذا الاتّجاه محمّد الخضر حسين، من خلال بحثه "الاستشهاد بالحديث في اللّغة" وقد بناه على نتائج الشّاطبيّ، كما أضاف إليها.
- موقف هذا الاتّجاه:
قسّم الحديث إلى ثلاثة أقسام، من حيث الحكم بالاحتجاج به:
1. أحاديث يلزم الاحتجاج بها.
2. أحاديث يلزم عدم الاحتجاج بها.
3. أحاديث يصحّ الاختلاف فيها.
- موقف مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة:
- تبنّى المجمع هذا البحث.
- كانت له ملاحظات على أجزاء منه.
- فتح المجال أمام التّوسّع في ذلك على يد عبدالرّحمن السّيّد.
- تفصيل الأصناف الثّلاثة:
1. ما يلزم الاحتجاج بها:
- ألفاظ العبادة- جوامع الكلم- ما خاطل به قوماً بلغتهم- ما دُوِّن من عربٍ فصحاء أو نشأوا بينهم- ما روي من طرقٍ متعدّدة ولفظها واحد- ما عرف عن رواتها بأنّهم لا يجيزون الرّواية بالمعنى (ابن سيرين- رجاء بن حيوة).
- وزاد عبدالرّحمن السّيّد: الأحاديث الّتي رواها من يوثق بفصاحته وإن اختلفت ألفاظها/ من كان رواتها عدول وإن اختلفت الصّيغ.
2. ما يلزم عدم الاحتجاج بها:
وهي الأحاديث الّتي لم تدوّن في الصّدر الأوّل، إنّما تروى في كتب المتأخّرين، سواءً أكانت بسندٍ مقطوعٍ أم متّصل؛ لأنّ اتّصال السّند لا يلغي بُعد مدوّنها عن الطّبقة الّتي يُحتجّ بها.
3. ما يصحّ الاختلاف عليها:
وهي الأحاديث الّتي دوّنت في الصّدر الأوّل ولم تكن من الأصناف المذكورة في ما يلزم الاحتجاج بها، وهذه الأحاديث نوعان:
1. ما يرد بلفظٍ واحدٍ، وهذا يُحتجّ به.
2. ما ترد فيه روايات متعدّدة مختلفة، وهذا على خلاف.
* الخلاصة
- الاحتجاج بالحديث الشّريف مشكلةٌ لغويّة لا تقوم على أساسٍ علميّ، بل كانت ثمرة نزاعٍ شخصيّ، فقد كانت شهرة ابن مالك دافعاً لوقوف أبي حيّان ضدّه، وهذا رأيٌ يدعمه ما خلصت إليه الأبحاث من القديم إلى الحديث، من وجود الاحتجاج بالحديث الشّريف وجوازه.
- الحديث الشّريف كان حاضراً في مؤلّفات لغويّة ونحويّة وصرفيّة وأدبيّة، ولكن بدرجاتٍ متفاوته، كان سبب قلتها في مؤلفات النّحو طبيعة العلاقة بينه وبين علم الفقه القائم على القياس الرّافض لفكرة النّقل عند مذهب المتكلّمين.
- من نتائج الصّراع بين المانعين والمجوّزين أن ظهر مذهب التّوفيق أو التّوسّط على يد الشّاطبيّ، وقد تبنّى مجمع اللّغة العربيّة بعد ذلك هذا المذهب والتّوسّع فيه.
- في العصر الحديث اعتمد حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع ميادين اللّغة في صورةٍ فيها تنمية لموقف السّابقين وتوسّطاً، وهذا يدلّ على إجماع اللّغويّين في العصر الحاضر على الاحتجاج بالحديث استكمالاً للاجماع التّاريخي الآتي من استقراء مؤلفات الأقدمين.
تمّ بحمد الله تعالى
الهوامش
([1]) خزانة الأدب: 1/10، تحقيق محمّد هارون.
([2]) خزانة الأدب: 1/10، تحقيق محمّد هاروون. ([3]) نظرات في اللغة والنحو: طه الرّاوي، 23.