بقلم/ الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان
- مفهوم الموشحات:
·
في
اللغة:
"الموشحات جمع موشحة، وهي مشتقة من الوشاح وهو:
خيطان من لؤلؤ و جوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر". [شوقي ضيف/عصر الدول:146[.
·
في الاصطلاح:
" الموشح كلام منظوم على
وزن مخصوص بقواف مختلفة. وهو يتألف في الأكثر من ستة اقفال وخمسة أبيات، ويقال له
التام/ وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويقال له الأقرع، والتام ما ابتدئ فيه
بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات".
] عبدالعزيز
عتيق/ الأندلسي: 340[.
·
سبب التسمية:
لا أحد ممن أرخ لنشأة الموشحات
كـ (فن أدبي) قد أشار إلى سبب تسميتها بهذا الاسم، وتُرك الأمر إلى اجتهادات
الدارسين، وملخص سبب تسمية الموشحات كما يأتي:
- التشابه بين الموشحات والوشاح، الذي هو خيطان
مخالق بينهما تتوشح بهما المرأة، ووجه الشبه هو اختلاف الوزن والقافية في الأبيات
وجمعها في كلام واحد.
- التشابه من حيث الترصيع والتزيين والتناظر والصنعة
في الموشحات ويقابلها وشاح المرأة المرصع باللؤلؤ والجواهر.
- تلتقي هذه الآراء عند تشابه الموشح والوشاح من
حيث ذلك التلوين والترصيع والمجموع في شكل واحد كما أن الموشح فيه تنويع مجموع في
كلام واحد.
- هناك اتفاق على أن الموشحات فن أندلسي خالص.
·
نشأة الموشحات :
الموشحات بهذه الصورة
الاندلسية، أو تلك التجديدات في الأوزان التي عرفناها في العصر العباسي البسيطة
المبتدئة من المسمطات والمزدوجات والمخمسات، وغيرها فقد نظموا ليتخلصوا من قيود
القافية، ليلائم الغناء فكانت الموشحات حيث كان الغناء، فالعلاقة بين هذا التجديد
والغناء هي علاقة واضحة؛ "لأن أوزانها الجديدة كانت أحفل بالغناء والتلحين
الذي كان ضرورياً (بمعنى: انتشاره كالحاجة الضرورية) عند العباسيين وكذلك عند
الأندلسيين، وقد استُعمل في بادئ الأمر في (المجون) ثُم تحول إلى الأغراض الشعرية
الأخرى.]خفاجي/الأندلسي:399[.
وقد ثار حول نشأته عدة احتمالات وهي:
1. اختراع المسمطات والمزدوجات
والمخمسات والدوبيت والمواليا والسلسلة. وقد نظم فيها شعراء العباسيين مثل :
بشار ومحمد بن أبي بدر السلمي- محمد بن عيسى
التميمي.
2. كان لدى الروم شعر فيه مثل هذه
الصور البنائية في الموشح، وقد اتصل بهم الأندلسيون وتأملوا نظمهم ونظموا على
منواله.
ويرد شوقى ضيف على هذا بقوله:
" ويسمي ابن بسام في ترجمته لعبادة بن ماء السماء مخترعها باسم "محمد بن حمود القبرى الضرير"،
ويقول: "كان يضعها على أشطار الأشعار، غير أن أكثرها على الأعاريض
المهملة غير المستعملة" ويتابع ضيف:" وظن بعض الباحثين أن ذلك يدل على
أن الموشحة لم تكن تنظم في نشأتها في الفصحى على أعاريض الشعر العربي
وأوزانه وإنما كانت تنظم على أعاريض المقاطع مثل الشعر الأوروبي، وهو خطأ في الفهم ويشير ضيف
إلى أن الأعاريض المهملة هي تلك التي تعرض في ثنايا الدوائر الخمسة حيث تفسح
لأوزان مهملة لا تنحصر لم يستخدمها العرب في شعرها، ومن أهم من نظم على تلك
الأوزان المهملة من شعراء بني عباس هو أبو العتاهية". [ضيف/عصر الدول:147].
·
محاولات الأندلسيين:
ابن خلدون يرى أن
المخترع لها في الأندلس هو : (مقدم بن معافى القبي) من شعراء الأمير عبدالله بن
محمد المرواني [ذكره الحجازي في المسهب في غرائب المغرب](التاريخ: 275-300 هــ).
وأخذ عنه أبو عمر أحمد بن عبدربه صاحب العقد الفريد. وبعدهما جاء عبادة بن ماء
السماء(422 هــ).
- ابن بسام: محمد بن محمود القبري الضرير.
وبناءً على قول ابن خلدون:
"كانت في
مرحلتها الأولى محاولات غير ناضجة أصابها الكساد فلم يبلغنا خبرها ثم ظلت الموشحات
بفضل من نظموا فيها بعد ذلك تنمو وتتطور حتى صارت فنا قائماً بذاته على يد أبي بكر
عبادة بن ماء السماء، ومن الناحية التاريخية يمكن تلخيص التطور على النحو الآتي:
o البداية في القرن
الثالث الهجري.
o شهد القرن
الرابع التفات شعراء الأندلس لها.
o القرن الخامس:
تاريخ النبوغ في عصر ملوك الطوائف. رجال هذه المرحلة:
-
عبادة بن
ماء السماء.
-
ابن رافع شاعر المأمون بن ذي
النون(صاحب طليطلة). من موشحته:
بدايتها: العود
قد ترنم. بأبدع تلحين. وسقت المذانب.
رياض البساتين.
نهايتها: تخطّر
ولا تسلم. عساك المأمون. مروّع الكتائب. يحيى بن ذي النون.
o
القرن السادس:ظهرت البدائع
ü
في عصر المرابطين. رجالهم:
-
الأعمى التطيلي.
- يحيى بن بقي(450 هـــ)
-
أبو بكر الأبيض
-
الحكيم أبو بكر بن باجة.
ü
في عصر الموحدين. رجالهم:
محمد بن أبي الفضل بن شرف.
-
أبو إسحاق الرديني.
-
ابن هردوس.
-
أبو بكر بن زهر(595 هـــ). أهم وشاح.
- الحسن بن سهل.
-
ابن حيون.
o
القرن السابع:
- إبراهيم بن سهل الإسرائيلي، ومن تلاميذه:- ابن زمرك –
العربي العقيلي.
- أبو يحيى بن عاصم( اشتهر ابن الخطيب الثاني).
·
دور زرياب
في نشأة الموشحات:
يتمثل
دور زرياب في تقدم وازدهار حركة الغناء التي تعتبر السبب الأول والرئيس في نشأة
الموشحات.
ويتلخص
دوره في نهضة الغناء إن صح التعبير كما يأتي:
1.
أقام في
قرطبة معهداً يتدرب فيه الفتيان والفتيات على الغناء.
2.
أضاف الوتر
الخامس إلى أوتار العود، واخترع له مضراباً من قوادم النسر.
3.
جعل للغناء
تقاليد انفردت بها الأندلس. فكان يبدأ بالنشيد ويخرج منه إلى البسيط ويختم
بالحركات والأهازيج.
4.
خرّج كثيراً
من الشباب والجواري لهم دورهم في الغناء. ( عباس بن فرناس ت: 274 هـــ).
·
بناء الموشح
:
الموشح في بنائه يتركب من أجزاء معينة تواضع عليها
الوشاحون والتزموها في صنع موشحاتهم، وأعطوا مصطلحات عرفت بها، وهذه الأجزاء هي:
أوّلاً: المطلع:
" ويطلق عليه القفل الأول من الموشحة، ويتألف من شطرين، أو أربعة أشطر"
.(به : التام، وبدونه : الأقرع)
ثانيًا: القفل:
"وهو الجزء المتكرر في الموشحة والمتفق مع المطلع أو القفل الأول في وزنه
وقافيته وعدد أجزائه".(التام:6، الأقرع: 5 مرات)
ثالثًا: الخرجة:"هي
القفل الأخير من الموشحة". وهي ثلاثة أنواع
من حيث نوع اللفظة الأخيرة فيها:
1-
عربية
فصيحة.
2-
عربية
عامية.
3-
أعجمية.
رابعًا: الغصن:"هو
اسم لكل شطر من أشطر المطلع أو الأقفال، أو الخرجة في الموشح. وتتساوى الأقفال
والخرجة مع المطلع من حيث عدد الأغصان وترتيبها وقوافيها. أقل عدد 2، وأكثر
الموشحات من 4 أغصان.
خامسًا:
الدور:"هو ما يأتي بعد المطلع في الموشح التام. وإن كان الموشح أقرع ، الدور
يأتي في مستهل الموشح".
الموشحات
الغنائية لم تتجاوز 5 أدوار. أما الشعرية فلم يلتزم الشعراء بعدد معين من الأدوار.
سادسًا: السمط:"يطلق
علة كل شطر من أشطر الدور. ولا يقل عدد الأسماط في الدور الواحد من الموشح عن
ثلاثة، ويشترط في أسماط كل دور أن تكون على روي واحد".
سابعًا:
البيت:"يتكون من الدور والقفل الذي يليه مجتمعين. وهو نوعان :
-
بيت بسيط :
ما كان عدد أسماط دوره 3-4-5. الشائع 3.
-
بيت مركب:
ما تألف كل سمط من دوره من فقرتين أو 3-4-5،فقرات.
·
أوزان
الموشحات:
تنقسم
الموشحات من حيث أوزانها إلى خمسة أقسام:
الأول:
ما جاء على أوزان الشعر المعروفة، وهي مرذولة ولا يلجأ إليها إلا ضعاف الشعراء،وهي
أشبه بالمخمسات.
الثاني:
ما جاء على أوزان الشعر المعروفة ، مع اختلاف قوافي أقفالها.
الثالث:
ما جاء على أوزان الشعر المعروفة وتخللت أقفالها و أبياتها كلمة أو حركة ملتزمة،
تخرجها عن كونها شعرا صرفاً.
الرابع:
ما خرج على أوزان الشعر المعروفة، ولا وزن فيه إلا التلحين وهو أكثر الموشحات.
الخامس:يتمثل
في الموشحات التي لا وزن لها إلا التلحين، ولكنه بحاجة إلى لفظة لا معنى لها تكون
دعامة للتلحين، وسنداً للمعنى. (كتاب مهم في أوزان الموشحات: دار الطراز في عمل
الموشحات/هبة الله بن سناء الملك). جعله في قسمين: وزن العرب/لا وزن له.
·
الأغراض
التي تتناولها الموشحات:
-
الغزل(بناء كامل في الغزل) مثال: ابن ماء السماء:
من
ولي
في أمة
أمرًا ولم يعدلِ
يعزلِ
إلا لِحاظ
الرّشأ الأكحل
جرت
في
حكمك في
قتلي يا مسرفُ
فانصف
فواجبٌ
أن ينصف المنصفُ
وارأفِ
فإن هذا الشوق لا يرأفُ
علَلِ
قلبي بذاك السلسلِ
ينجلي
ما بفؤادي من جوى مشعلِ
-
الرثاء(بناء على موضوع واحد) مثال: ابن حزمون في رثاء أبي الحملات بن أبي الحجاج
قائد الأعنة ببلنسية:
يا
عين بكي السراج
الأزهرا
النيرا
اللامعْ
وكان
نعم التاجْ
فكسرا
كي تنثرا
مدامعْ
-
وصف الطبيعة(بناء في أكثر من موضوع، فتمزج مع الغزل ، أو الخمر الساقي، أو بهما
معاً) مثال:
أيها
الساقي إليك المشتكى
قد
دعوناك وإن لم تسمع
وهناك قصيدة نادرة بنيت على وصف الطبيعة(لإبي
حسن علي بن مهلهل الجلياني):
النهر
سل حساماً
على قدود
الغصون
ومن الأغراض ايضاً:
-
التصوف(محيي الدين بن عربي ت:638 هـــ)
سرائر
الأعيان
لاحت على الأكوان
·
من أهم
خصائص الموشحات:
1-
السهولة والوضوح
2-
البعد عن التقصيد
3-
تجديد المعاني
4-
تجديد الأساليب
5-
لم تبق في الشعر الحديث.
·
مصادر
المعلومات السّابقة:
1. شوقي ضيف: عصر الدول والإمارات.
2. عبدالعزيز عتيق: الأدب العربي في الأندلس.
3. محمد خفاجي:الأدب الأندلسي.