بقلم الدّكتور/ عبدالكريم اعقيلان
يختلف
مفهوم التّميّز باختلاف الزوايا التي يُنظرُ إليه منها، فقد يُنظر إليه من باب
الخير، كما يُنظرُ إليه من باب الشّر، وهو يملك تأثيرًا يتعدّى إلى سلسلة من الاحتياجات
الإنسانيّة التي تمنح الإنسان شعورًا بالرّضى عن الذّات أو تحقيق الذّات...
بالنّظر
إلى (ماسلو) في نظريّة الاحتياجات الإنسانيّة التي قدّمها لتوصيف المؤثّرات التي
تصل بالإنسان إلى تحقيق ذاته، فإنّ من وراء نظريّته كلامًا آخر لم يقله، ووجهًا
آخر لتحقيق الذّات لم يُرسي دعائمه، ولعل ما فاته يقودُ إلى تغيير مفهوم (تحقيق
الذّات) الذي جعله في هرم تلك الاحتياجات...
حدّد
(ماسلو) الاحتياجات الإنسانيّة في المعالم الآتية:
- الحاجة الفسيولوجيّة
-
الحاجة
إلى الأمان
- الحاجة الاجتماعيّة
- الحاجة إلى التّقدير
-
تحقيق
الذّات
وقد ربط الوصول إلى توفير حاجةٍ من تلك الحاجات بضرورة تحقيق الحاجة السّابقة لها؛ وقد جعلها في شكلٍ هرميّ متدرّج، مما يعني أنّ عدم الحصول على حاجةٍ ما يؤثّر في إمكانيّة الحصول على الحاجة التي تليها في السّلم الهرميّ... وقد تعرّضت هذه النّظريّة إلى جملة من الانتقادات تدور جلّها حول جدليّة ارتباط الاحتياجات بالتّرتيب الهرميّ والتّسلسلي، الذي يُقيّد الاحتياجات بعضها ببعض...
ما لم يقله ماسلو...
المراحل الزّمنيّة لتحقيق الذّات
في
أي عمرٍ يمكن أن يَحكمَ المرءُ، أو يُحكمَ عليه، بأنّه قد حقق تلك الاحتياجات،
ووصل إلى القمّة؟
أهي
في مرحلة كونه جنينًا...؟
أم
هي في مرحلة طفولته...؟ أم في مرحلة الشّباب...؟ أم في مرحلة الكهولة...؟
أم
هي في مرحلة كونه لم يكن شيئًا مذكورًا...؟ أم هي في مرحلة البرزخ...؟ أم هي في
مرحلة اليوم الآخر...؟
ما لم يقله ماسلو...
مرجعيّة الحكم على تحقيق الذّات
من
الّذي يملك الحقّ في الحكم على المرء بأنّه حقّق ذاته وبلغ أعلى القمّة؟
أيعيش
المرء أسيرَ نظرة النّاس إليه، فيأكل على مزاجه، ويلبس على مزاج غيره...؟
أيكون
حاله حال الشّقراء مع الخيل...؟ أم يسيرُ بعكس التّيّار...؟
فنحن
أمام ضرورةٍ تحديد المرجعيّة التي لها الحقّ في الحكم على تحقيق الذّات، وما دمنا
نتحدّث عن الذّات، فهل مرجعيّة الحكم تعود إليها أم تعودُ إلى ما هو خارجها...؟ وهل من المعقول أن يبحث المرء عن تحقيق ذاته في
نظر الآخرين...؟!
بل
إنّ (ماسلو) جعل حاجة الإنسان إلى غيره ضرورة من أجل تحقيق بعض الاحتياجات كالحاجة
الاجتماعيّة والحاجة إلى التّقدير... لذلك؛ هناك حلقةٌ أخرى مفقودةٌ في هرم
(ماسلو) أو هي غير واضحة المعالم، وهي حلقة المرجعيّة في الحكم ...
ما لم يقله ماسلو...
حاجة الإنسان إلى الخالق – سبحانه وتعالى
لم
أشأ أن أوظّف هذه الحاجة لهدم هرم (ماسلو) وبنائه من جديد، وإن كان الأمر يتطلّب
ذلك عند الحديث عن الحاجة الأهمّ للإنسان في هذه الحياة، وهي حاجته إلى خالقه –
سبحانه وتعالى – فتوفير حاجاته الفسيولوجيّة هي من نعمه سبحانه وتعالى، وتوفير
الأمن والأمان هي بمقدار التزامه بعلاقته مع خالقه – سبحانه وتعالى – وقد أغفل
(ماسلو) هذه الحاجة ولم يضعها ضمن ترتيب هرمه...
ولذلك،
فإنّني أرى أنّ الحاجة إلى الخالق – سبحانه وتعالى – بمعنى الإيمان بوجوده، والتّصديق
بكتبه ورسله، هو أمرٌ في غاية الأهمّيّة، بل هو عمادُ جوهر تحقيق الذّات لما في
هذا الإيمان من اعترافٍ بالحقيقة... وأيّ تحقيقٍ للذّات يقوم على إنكار هذه الحقيقة...؟!
ومن
هنا، فإنّ حلقة الحاجة إلى الإيمان بالله تعالى مفقودةٌ في ذلك الهرم... فمهما
بلغت منجزات الإنسان وتحقّقت غاياته المادّيّة والمعنويّة، فإنّه لا ينبغي له أن
ينكر أنّ تحقيق ذلك كلّه إنما هو بفضل الله ورحمته، وإذا أردنا الإبقاء على الهرم
بصورته هذه، فلا مناص من ضرورة الإيمان بأنّ الحاجة إلى الخالق تفرض أن تكون
حاضرةً في كلّ درجةٍ من درجاته... ولا يصحّ أن نحجّم هذه الحاجة بتحديد مكانٍ
معيّن في الهرم...
فكم
من ذاتٍ أفنت ذاتها ليعيش غيرُها...
وكم
من ذاتٍ فقدت كلّ أساسيّات الحياة لكنّها ما زالت شامخةً ...
والمقصود
بالتّميّز هو الاستناد إلى العناصر الآتية:
علوّ الهمّة
والصّبر...
العلم والمعرفة
...
الإخلاص ...
ويمكن
توظيف هذه العناصر الثّلاثة في كلّ درجة من درجات الهرم، ليخلص رأس الهرم في
نهاية المطاف...
لـ التّميّز...
وربّما لا يزال هناك شيءٌ آخر لم يقله ماسلو...