تمهيد
لقد كان البحث العلميّ، على مدار التّاريخ، مظهراً من
مظاهر الرقيّ الحضاريّ، الذي تعتزّ كل أمّة بتسخير طاقاتها له، وتوفير جميع السّبل
الكفيلة بتسهيل مهامّ الباحثين، والأخذ بأيديهم للوصول إلى معالم في حقائق الوجود،
مما يمنح الأمّة مكانةً بارزة، يُشار إليها بالبنان، وتحفظها لها بقيّة الأمم.
واللّغة، هي لسان الأمم، ووعاء فكرها، ومستودع حضارتها،
وهي الأداة الأولى، التي تُفتح بها أقفال الجهالة، ويُبنى بها للعلم منارة، فليس
عجيباً أن تكون محطّ الاهتمام، أو يتسابق العالم كلّه متبنّياً منهجيّةً شاملة،
تتناول معالم اللّغة، واستكشاف أسرارها، وكيف لا؟! وهذه اللّغة من صنع خالق الكون-
الله تعالى- الذي أبدع في إحسان صورة الإنسان في خلقه فعدله، ثم منحه آلة النّطق،
شاهدةً على حقائق الوجود، ودليلاً على صدق الوعود، ثم هو – سبحانه- يختارها لتكون
لغة كتابه المقدّس وخاتم الكتب.
لقد كانت اللّغة العربيّة- ولا زالت- منذ عهد نزول القرآن الكريم محطّ اهتمام العالم
كلّه، حيث تسابق العرب والعجم للتّفقّه في مكوّناتها؛ من أجل غاية واحدةٍ- أوّل
الأمر- وهي فهم القرآن الكريم، والسّنّة النبويّة، ثم توالت الاهتمامات، قروناً
حتى توسّعت دائرتها، لتصبح دراسة اللّغة العربيّة مظنّة البحث عن هويّة الإنسان
العربيّ، وطبيعة تفكيره، ووسيلة التواصل الثّقافيّ معه، لغايةٍ نبيلةٍ، أو لغايةٍ
أخرى تستهدف وجوده الفكريّ والحضاريّ، للنّيل منه، وإعادته إلى سلّم التبعيّة، كما
كان قبل بعثة النّور الهادي محمد- صلّى الله عليه وسلّم.
وأمّا عن المستشرقين، وهم فئةٌ نذروا أنفسهم، أو سخّرتهم
دولهم، لدراسة العربيّة- واحدةً من لغات العالم الشرقيّ الذي توجّهوا إليه-
فالحديث عنهم ذو شجون، ولكننا هنا في معرض تناول كتابين يتلمّسُ كلٌّ منهما جهودهم
في دراسة العربيّة، لغةً وأدباً، لتحقيق غايتنا في إبراز هذه الجهود- من جانب- وبناء
فكرٍ موازٍ يعكس فهم هذه الجهود وغايتها- من جانب آخر.
الكتاب الأوّل:
جهود
استشراقية في قراءة الشعر العربي القديم: ريناتا ياكوبي نموذجاً
الأستاذ
الدّكتور عبدالقادر الربّاعيّ
الكتاب
الثّانيّ:
المستشرقون
والمناهج اللّغويّة
الأستاذ
الدّكتور إسماعيل عمايرة
بقلم/ الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان