التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أزمة الأدب المقارن



بسم الله الرحمن الرحيم

· تـمـهـيـد:
لقد كانت حياة الإنسان بجميع أشكالها: العقلية والشعورية، ذات حضور بارز في ماينتجه الأديب من نثر أو شعر. حتى قيل: الأدب مرآة كل أمة.


وفي موجات الدرس الأدبي، التي تناولَتْ مادتَه عند مختلف الأمم والشعوب، اهتم الدارسون بجميع الآداب كل على حدة. فتعرضوا لخصائص الأدب الذي يتبع أمة بعينها، مبرزين الملامح والأشكال والرواد، ونحو ذلك، بحسب المناهج التي عُرفت في الدراسة الأدبية، كالمنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي، أو كتلك التي جدّت في دراسة الأدب من خلال النص نفسه، كالبنيوية والسيميائية.
ولم يتوقف عمل الدراسين عند هذا الحد، بل شملت دراستهم عقد الموازنات والمقابلات بين آداب أبناء أمة واحدة، وكذلك آداب أمم أخرى.
وأمام هذا التوجه الدراسي للأدب، أثيرت في حينه بعض التساؤلات عن جدوى تقسيم عصور الأدب العربي، على سبيل المثال، هذا التقسيم المرتبط بأحداث سياسية، عاشتها الأرض العربية، بالرغم من أن بعض هذة التقسيمات قد اختلف في تحديده، كما هو الحال مع العصور العباسية.

وقد كان التعليل لذلك التقسيم، هو في أن الأحداث السياسية بما جلبته من تغييرات جذرية في أنظمة الحكم، وما انعكس بعد ذلك على الحياة العقلية والاجتماعية للشعوب، قد أثر في نتاجهم الأدبي وميز عصراً عما سبقه من عصور.([1])
هذا وقد كانت الدراسة الأدبية بطبيعتها لا تقف على حدود جامدة لا تقبل التطور أو التجديد. فالذوق والتركيبة العقلية والثقافة، تلعب دوراً مهماً لدى الدارس الأدبي. فما فتئت التجديدات في الدراسة الأدبية تظهر بين حين وآخر. وقد بدا ذلك واضحاً في تطور المناهج النقدية منذ نشأتها وحتى اللحظة.
ومع كل ذلك التطور، فإنني أرى أن كل ما تم طرحه في الدراسة الأدبية لم يأت بخلق جديد، أي: لم يغير من مادة النص الأصلي الأولى. فمادة الأدب هي في متناول اليد، ولا يلزم سوى إمعان الفكر في دراستها. وما الجديد إلا في الطريقة التي يُنظر بها إلى هذة المادة الأدبية. فالنص، على سبيل المثال، قد كُتب، ولكن قُرئ من دارس على المنهج التاريخي، وقرئ من دارس آخر بنيوياً، وهذا، مع تجديده في الطريقة، إلا أن النص الأدبي هو حق محفوظ في أصله لم يتغير.

وعوداً إلى موضوع أثر السياسة في الدراسة الأدبية، فإن تأثيرها قد اختلف عما كان ينظر إليه في السابق. فبعد تأثيرها غير المباشر على القرائح والعقول، جاءت النظم السياسية لتوجه طريقة التعامل مع النتاج الأدبي، وإلى أي هدف يكون السعي في الدراسة الأدبية. وما من شك في أن التدخل السياسي المباشر، في أي مجال، سيصحبه صراع وأزمات، خاصة وأن الساحة السياسية ملأى بالصراعات، وهي قائمة وتتجدد وتتغير أشكالها من حين إلى حين.
وفي الساحة الأدبية أجد نوعية الدراسة الأدبية قد جدت من خلال ثلاثة عناصر:
- مادة الدراسة الأدبية.
- طريقة الدراسة الأدبية.
- الغاية من الدراسة الأدبية.
وكل هذة العناصر، كانت تحت نظر السياسة وروادها. فكانت النظرة الخاصة بكل قومية، أو بكل دولة، توجه هذة العناصر إلى ما يرفع من قدرها ويلمح إلى تاريخ مجيد لأبنائها دون غيرها.
وأمام هذا الصراع لم يكن مستغرباً أن تُفتعل أزمة، أو أن تنشأ، وتمتد حدودها وتتوسع، فلا تقف عند حدود المصطلح، بل تتعدى إلى مادة الدراسة، ثم الطريقة في الدراسة، والهدف من الدراسة.
أزمة الأدب المقارن، مصطلح يعكس في نشأته الصراع الدَّولي للسيطرة، لا على الاقتصاد، أو الأرض، فحسب، وإنما هو توجه يسعى إلى بسط النفوذ العقلي الذي يستمد قوته من تاريخ سابق، كانت أمجاد أمة ما قد بذرت ما نجد ثماره الآن في أدب تلك الأمة وتلك الأمة، إظهاراً لفضل أمة على أمة آخرى.
ما مفهوم أزمة الأدب المقارن؟
وكيف نشأت هذة الأزمة؟
وما هي صورها؟
وكيف عولجت؟
وهل إلى سبيل للخروج منها؟
هذة الأسئلة وغيرها أحاول الإجابة عنها في ثنايا هذا التقرير.


كتبه/ الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان

البحث منشور في كتاب:





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

القبائل الّتي يُحتجّ بلغتها في أصول العربيّة

بقلم: الدكتور عبدالكريم اعقيلان عناصر الموضوع: - سبب تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها. - تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها. - تداخل عنصريّ الزّمان والمكان في الاحتجاج اللّغويّ. - تحديد القبائل الّتي لم يُحتجّ بلغاتها. المراجع: - الفارابي : الألفاظ والحروف - السيوطي : الاقتراح - السيوطيّ: المزهر - ابن جنّي: الخصائص - محمّد عبده فلفل: اللّغة الشّعريّة عند النّحاة - مصطفى الرّافعيّ: تاريخ آداب العرب ***** أولاً: سبب تحديد القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها: تدخل قضيّة القبائل الّتي يُحتجّ بلغاتها في أصول اللّغة من كونها المستند الّذي يعتمده اللّغويّون في تقعيد اللّغة، أو وضع القاعدة اللّغويّة، والكلام المُتداول هو المسرح الّذي استمدّ منه اللّغويّون شواهدهم اللّغويّة، وهو مساحةٌ كبيرة من شرائح المجتمع، الّذي تدور اللّغة في فلكه، وتنشأ في أحضانه. وقد كان السّبب الرّئيس لتحديد هذه القبائل مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بخدمة القرآن الكريم، وهو الكتاب المبين الّذي نزل بلسان العرب ولغتهم، وقد ترتّب على هذا الأمر أن يحرص اللّغويّون على اختيار المستوى ال...

نبذة مختصرة في علم البيان

بقلم  الدّكتور/ ضياء الدّين الحموز جاء الدرس البلاغيّ عند القدماء مدفوعاً برغبة معرفة دقائق اللغة العربيّة، وأسرارها، والكشف عن وجوه الإعجاز في نظم القرآن الكريم وصولاً إلى قوانين تمكنهم من الوقوف على مقاصد الشارع الحكيم، وتمكنهم من محاكاة أسلوب النظم القرآني المعجز، وقد انقسم الدرس البلاغيّ عندهم إلى ثلاثة أقسامٍ أساسيّة، هي: البيان، والمعاني، والبديع، وحديثنا في هذه الورقات مختصّ بالبيان.  يبحث علم البيان في وسائل التصوير الفنّي، وأهمّها : التشبيه، والكناية والاستعارة، ويقيم هذا العلم حتى وقت متأخّرٍ من الدراسات البلاغيّة القديمة فواصل بين هذه الأنواع الثّلاثة، وقد باتت هذه الأصول الثّلاثة- إن صحّ التعبير- تدخل في إطار ما يعرف الآن بـ (الصّورة الشّعريّة) أو (اللّوحة الفنّيّة).  ويمكن الوصول إلى البيان العربيّ من خلال مؤلفات الأقدمين الذين أثروا المكتبة العربيّة بذخائر الأدب والثقافة والعلوم اللّغويّة، ومن أشهر المؤلفات البلاغية التي عنيت بالبيان العربي قديماً: - البيان والتبيين : الجاحظ 255هـ. - البديع: عبدالله بن المعتزّ 296هـ.  - نقد الشّعر: قدامة بن جعفر 337هـ...

مقدّمة الجاحظ في كتاب الحيوان- عرض وتقديم

بسم الله الرّحمن الرّحيم  بقلم الدكتور عبدالكريم عبدالقادر اعقيلان   عمرو بن بحر الجاحظ، ومن لا يعرف أبا عثمان؟ هل يعيبه أنه نشأ يبيع الخبز، والسمك بنهر سيحان؟ أم لأنه أعجمي الأصل وينافح عن العربية؟ مالذي عابوه على هذا الرجل، حتى يقفوا أمامه يتعرضون لما يكتب، ويؤلف، وينشر؟  لن أدافع عنه…  بل في سيرة حياة هذا الرجل ما يقطع قول كل حكيم. وماذا أقول فيمن أخذ عن علماء اللغة، أصولها، فبرع فيها، حتى إنك لا تكاد تجد مؤلفاً في اللغة، إلا وفيه رأيٌ للجاحظ، أو شاهد؟. وهو الذي لم يكن يقع في يديه كتابٌ، إلا ويقرأه من أوله إلى آخره. بل لقد كان يكتري دكاكين الوراقين، يبيت فيها للقراءة، والنظر. وما هذه الكتب التي يقرأها؟ فيها من كل ما ترجم عن ثقافات الفرس، والهند، واليونان. ولم تكن ثقافة العرب ودينها، عنه ببعيدان.  لن أدافع عنه…  فلهذا الرجل لسانه، الذي نافح به عن العربية، في وجه الشعوبية، دفاعاً، لن تجد من أهل العربية، أنفسهم، من يدافع مثله. وهو الذي قال:" كلام العرب بديهة وارتجال، وكأنه إلهام".  لن أدافع عنه…  وهل هو بحاجةٍ إلى من يدافع عنه؟ وقد كان معتزلي الف...